أرضية التأسيس


                              المجتمع المدني لنجدة الثقافة الأمازيغية
عكس ما كان منتظرا، الدولة الوطنية ( دولة ما بعد الإستقلال ) لم تفشل و فقط في تنقية المنظومة الثقافية من مخلفات المسخ الثقافي الإستعماري، بل لم يسبق لهذا المسخ أن بلغ عمق المجتمع بالقدر الذي بلغه على عهدها.
بقميص مسرحي، يظهرها في هيئة مدافع شرس عن الثقافة الشعبية، إستثمرت الدولة الوطنية أموالا ضخمة في قطاعات حيوية ( التربية و التعليم و الإعلام ... ) لتزيد الطين بلة، باستيراد و فرض نمط من الشرق  الأوسط إنظاف إلى الإرث الإستعماري ليزيد من خنق الثقافة الشعبية الوطنية بكل تعابيرها (العربية المغاربية و الأمازيغية) و ليفضي في الأخير إلى حرب هدامة بين المثقفين و المسيرين المعربين من جهة و المفرنسين من جهة أخرى، هذه الحرب الاهلية الصامتة كانت و لا زالت السبب الرئيسي في عدم إستقرار المؤسسات و أحد أكثر أسباب التخلف و ضوحا في بلادنا.
و عليه فلا مناص من أن يتولى الشعب المنتضم في الجمعيات إستعادة  تسيير شأنه الثقافي.

إيجابية الجدل الثقافي
من الواجب الإشارة إلى خطورة حمل الحكومات للناس على تبني سياسة ثقافية معينة لإرضاء مقتضياتها السياسية، خاصة إذا علمنا أن الشعب نفسه لا يملك إختيارا آنيا لقيمة الثقافية و ذلك لأنها معايير مؤسسة بعيدا عن إرادته المباشرة، أملتها حوادث و حالات سبقته في الوجود وحددتها عوامل تاريخية، جغرافية و نفسية.
في حين من الأهمية بماكان تشجيع الحديث الثقافي حتى و لو كان يعبر عن السلبية و التمرد على القيم السائدة، لأن ذلك هو الوسيلة الوحيدة التي من شئنها  تمكين الشعب من ممارسة ثقافته بوعي و من ثم إمكانية هضمه لأي إصلاح مقترح بعد تقديره لما يمليه من منافع و أضرار.
إن فشل معظم الإصلاحات الثقافية، في بلادنا، يعود أساسا إلى عدم حصولها على رضى الطبقات الشعبية، هذا الرضى أو هذه التأشيرة لا تتأتى إلا بحوار ثقافي مفتوح، واسع و على كل المستويات مع الطرف الأساسي المعني بالظاهرة الثقافية و هو الشعب .
إن المنظومة الإعلامية، التربوية المتفتحة و المشجعة للحوار الثقافي يجب أن تحل و بسرعة محل المنظومة الشمولية المنغلقة التي تغلل أطراف شعبنا، إن هذا السرطان يلتهم مبالغ هائلة من أموالنا لإنتاج مرضى و متطرفين يزيدون من متاعب المجتمع.
إن المدرسة، السينيما، الإذاعة، التلفزيون، الصحافة المكتوبة يجب عليها أن تتولى بمسؤولية مهمتها في إنعاش الحديث الثقافي المتنوع و حتى المتناقض، لا أن تكتفي بدور حقير في هدم تراثنا الثقافي و مسح شخصيتنا نزولا عند رغبات العصابات المتحكمة في سوق الثقافة الوطنية.

ما هو دور الثقافة؟
بإمكاننا تفصيل ما جاء في وصف الثقافة أنها: "تمنح الإنسان قدرة التكيف المثالي مع بيئته و محيطه" كمايلي:
إن الثقافة مجموعة من القيم تحدد أنماط التغذية الروحية و العقلية كالمفاهيم الفلسفية، العلوم، الفنون، العقائد الدينية، و أنماط التعبير الإجتماعي كاللغة، الآداب، الفنون، و أنماط الترتيب الإجتماعي كالطبقات الإجتماعية و أنماط التمثيل كالحكم، و أنماط المراقبة و التوجيه و الردع كقوانين العدالة و الأعراف و التقاليد، و أنماط التعريف كالأسماء، و الألقاب و الأنساب ، و أحكام الممارسات الحيوية كالطعام و السكن و الزواج و النشاطات الأساسية كالفلاحة و الصناعة و التجارة و حتى أبسط السلوكات البشرية كطريقة الإبتسام و البكاء و إشارات الوجه عند التعبير و مجموع التصورات التي يحفضها الإنسان عن نفسه و عن غيره ... إلخ .
فالثقافة إذن تمنحنا وسائل للعيش بإنسجام مع أنفسنا و مع غيرنا في محيطنا و هكذا فهي تلعب إلى حد بعيد دور المراقب الذي يسهر على إحترام إختيارات الأجداد إذ المجتمع لا يمكنه الإستقرار إلا إذا أحس أفراده بأن الذين سبقوهم يصادقون على ما يقومون به.
إن الثقافة أداة يمارس بها الشعب إرادته على نفسه و يمارس بها السلف سلطته على الخلف.
إنها ليست عبادة للأجداد و لكنها حفظ لإرثهم.

مجتمعنا وقود صراع إيديولوجي بين الشرق و الغرب
الكل يردد هذه العبارة: "إن النسف الفعلي و الكلي للإستعمار بكل تجلياته (الصريح و الخفي) رهين إنقاذ الشخصية" فما هي الشخصية؟.
الواقع أن كل الإجتماعيين و النفسانيين ما فتئوا يؤكدون أن للشخصية علاقة عضوية و مباشرة بالثقافة، فالبنيات الإجتماعية و المستهلك الثقافي هو القالب المباشر الذي، على شاكلته و على وجهته كذلك، تتشكل الشخصية الإجتماعية و الفردية، إن نمط الشخصية الشرقية الجانح إلى الميتافيزيقا و العائم في أحلام القوى الخفية يعكس بفصاحة يوميات المجتماعات الشرقية، العامرة بالرموز و الإيحاءات، بالقدر الذي يناقض النمط الأوروبي أسير السجن الذهبي للعقل و البرهان المنطقي الذي يرمي جانبا كل ما كانت مقدماته خاطئة و لا يأخذ إلا بما صح منها.
و بين هذا و ذاك نمط ثالث "ضمنه شمال إفريقيا، بلاد الأمازيغ" ضائع بينهما، عاجز عن القطع للعقل أو لما وراءه، القلب في الشرق الأوسط و العقل في غرب أوروبا ولعل الأفكار السياسية التي تغذي النظال اليومي لأحزابنا تفصح عن تضاد متطرف بين أفكار متحررة، مشرئبة لقيم العصرنة و أحكام الحضارة و أخرى متدينة جانحة لمآثر السلف الصالح الصحيح منها و المكذوب.
هذه المواجهة التي لا تخلو من ضحايا في الأرواح و خسائر في الأموال تضع، دون ريب، شمال إفريقيا في صنف الشخصية المريضة التي تكبت هزائمها العديدة بصراخ مثقل بألفاظ النصر .

الفرق بين الشخصية و الهوية
الكثير من العلماء، يميلون إلى تقسيم الشخصية إلى حيزين، أحدهما كتوم، صلب ودائم وآخر مائع و متغير. إن العديد من التصورات و الإعتقادات التي يكون المجتمع قد عاشها بوعي، راضيا أو مرغما، في مرحلة ما من تاريخه، تكون قد إنسحبت بصمت إلى اللاوعي في الذاكرة الإجتماعية، لتسير من هنالك الكثير من تصوراتنا و مفاهيمنا حول أنفسنا، حول الآخر و حول المحيط، هذا الجزء من جهازنا النفسي يسمى بالشخصية القاعدية أو بالهوية : إنها حيز نفسي ملئ بمعطيات تتحكم في سلوكاتنا و في إختياراتنا دون تبريرها، إن الهوية تسمح لأفراد المجتمع بالتأقلم مع المحيط بإستغلال عصارة تجاربه(تجارب الأجداد) الكامنة في اللاوعي.
إن الشخصية القاعدية أو الهوية بإيحاءاتها الآلية تكون حاجزا نفسيا منيعا، يرد بارتجال كل القيم المتعارضة مع مصلحة المجتمع.
إن حساسية الشعب الأمازيغي تجاه صور العساكر الأجانب في مقربة حدوده، يجد تفسيره في مخزونه النفسي أين يحفظ هناك ذكريات حية عن إستعمارات كثيرة مرت من هنا.
أما الحيز المتغير أو الشخصية الآنية أو "الشخصية بكل بساطة"، فيسمح للفرد بالتعامل مع واقعه حتى و لو كان مناقضا لهويته، إن الشخصية الآنية هامش نفسي يتيح للإنسان تقمص شخصية مغايرة تمكنه من ممارسة الإستسلام للقيم السائدة لضمان بقاءه إلى حين.
إن عادات اللباس، الأكل ، العمران ، اللغة في شمال إفريقيا المعاصرة، المتميزة بخلط كبير بين أنماط مختلفة (اللباس: قشابية أمازيغية، جبة عربية ، بذلة أوروبية / البناء : نمط معماري أمازيغي في الأرياف ، نمط عربي و آخر أوروبي في المدن / اللغة : خليط من كلمات أمازيغية، عربية، فرنسية، إسبانية و تركية .....إلخ ) تعكس إيحاءات الشخصية الآنية التي تشكلت بقبول التأثيرات القسرية الغربية و الشرقية.
في المجتمعات المتميزة بصراعات ثقافية مثل "بلاد الأمازيغ" يطفح القلق الإجتماعي نتيجة التضاد بين إملاءات الحيز الثابت "الهوية" و الحيز المتغير "الشخصية".
و رغم أن هذا النوع من الصراع ينتهي دوما لصالح الهوية، لأنها روح جماعية، صلبة و دائمة، صنعها التاريخ و الأرض بتأن و في مدة طويلة جدا، إلا أنه غالبا ما يمتاز بمرارة حادة.
الخلاصة أن الهوية خزان للحقائق الثابتة، سواء بالبرهان المنطقي أو بالتجربة الطويلة، تؤلف إرثا كبيرا من عناصر تنوير للمجتمع.

تداعيات الاستيلاب الثقافي
                     
تداعيات الاستيلاب الثقافي: عقدة تأنيب الذات و المازوشية الثقافية مرض المستلبين
إن عقدة تأنيب الذات L’auto-acusation التي تميز المستلبين ثقافيا ليست إلا جسرا يقود حتما إلى ظاهرة أخطر بكثير و هي ظاهرة المازوشية الثقافية، فإذا كانت الاولى مجرد مخيال يصور للإنسان صورة دنيئة عن نفسه، فالثانية مصدر لمتعة غريبة تجعل المستلبين ثقافيا يتلذذون بتهديم ذواتهم.
بتعبير آخر، بعد أن يتم تجريد الفرد من حريته، من مرجعيته و من كل مميزاته، ينتقل ( هذا الفرد) إلى حالة من النشاط العنيف ضد كل ما يمكن أن يعود به إلى ثقافته.
إن المازوشية الثقافية سلوك المستلبين، عديمي الجذور، أسيري هوس مرضي، ناتج عن هلع من أن يثبت يوما، أنهم عاشوا كثيرا مدافعين عن قيم لا تعنيهم في شيء بل و عن مصالح أجنبية.
إنه حال النخبة التي تصل الليل بالنهار لإثبات عروبة الشعب الشمال إفريقي باستغلال الدين و تزييف التاريخ و منع بروز الشخصية الحقيقية لشعب شمال إفريقيا الموحد بأمازيغيته.


تداعيات الاستيلاب الثقافي: الهروب إلى الغرب
إذا لم يكن من حق المجتمع علينا، فمن حق الموضوعية المجردة أن نعترف بعيوب مجتمعنا و لعل أخطرها على الإطلاق، هو ذلك المتمثل في نوع من التودد و الإنجذاب، المبالغ فيهما، من طرف بعض المثقفين بل و من الشعب نحو القيم الغربية .
فإذا كانت الظاهرة مبررة من الناحيتين السياسية و النفسية : الأولى بإعتبار القمع الممارس على الأمازيغية في عقر دارها و الثانية بمقتضى النظرية الخلدونية "إقتداء المغلوب بالغالب أو الضعيف بالقوي" فإنها ( الظاهرة) يمكن أن تنتهي إلى إستيلاب من نفس النوع يؤلف موضوع إحتجاجاتنا، ثم لا يجب أبدا أن ننسى مبلغ معاناة الثقافة الامازيغية من جيرانها الشماليين، على ايدي الإستعمارات الروماني، الوندالي، البيزنطي، الإسباني و الفرنسي.
إن تذرع بعض الإطارات بكون الظاهرة مجرد إستكان ظرفي لثقافة ديمقراطية محايدة تمتاز بتفتح يتيح كل وسائل و إمكانيات النظال، لا يجب أن ينسينا أن الظرفي أو المؤقت يمكن أن يدوم و نكون حينها قد سقطنا في ما كنا قد هربنا منه.

تداعيات الاستيلاب الثقافي: إنكسار التوازنات الجهوية و الفئوية
المغامرة الثقافية التي تزعمتها، منذ عشريات، مختلف الأنظمة الحاكمة لشمال إفريقيا و التي ترمي إلى تأسيس ثقافة مستوردة(عربية بالأساس)، لم تتسبب و فقط في تعطيل ملكة الإبداع في مجتمعنا بل كذلك وراء الفروق الثقافية و الإقتصادية العميقة بين المدينة و الريف، بين الساحل و الداخل و بين النخبة و الشعب.
النتيجة كانت إذن عقما عاما، أتاح تسلل التيارات الفكرية الأجنبية المختلفة من الشرقين الأدنى و الأوسط و من الغرب، على أيدي مثقفين أمازيغ يأملون، كل من جهته، أن يؤلفوا من مستورداتهم عروة مشتركة قد تعيد لأطراف الوطن تماسكها و لكن هيهات.

تداعيات الاستيلاب الثقافي: إنتاش Germination  التمايز العنصري
النشاط الاستعرابي بشمال إفريقيا تسبب في حالة جد معقدة، تمتاز من جهة، بعدائية متطرفة تجاه الهوية و الثقافة الأمازيغية و من جهة أخرى بتحيز مستفز لكل ما يفد من الشرق من التوابل الثقافية ، هذا مظافا إليه السلوكات الشمولية المزعجة، التي تمارسها بإستفزاز الأقلية البعثية في المدن تجاه النشاطات الثقافية المعدة من طرف الأفراد و الجمعيات الأمازيغية مما أدى إلى إنتشار جو أشبه ما يكون بأجواء المواجهات العنصرية.
لذلك فإن عدم المعالجة الفورية للإشكالية الثقافية في بلادنا سوف يؤدي إلى ظهور تمايز عنصري هجين و مكذوب، بإمكانه نسف القليل المتبقى من التماسك الوطني.
و لعل التصرفات الأخيرة للنخب المصرية و المتمثلة في سب الشعب الأمازيغي بأصله يعتبر تصرفا عنصريا واضحا.
تداعيات الاستيلاب الثقافي: انحراف المنظومة التعليمية
من الواضح أن مدلول كلمة "شعب" قد لا يلتقي مع مدلول كلمة "دولة"، مفهوم هذه الأخيرة يوحي عادة بمجموعة من المؤسسات : السياسية، التشريعية ، العسكرية، الثقافية، الإقتصادية ....إلخ
و حتى مع وجود هذه المؤسسات، قد لا يتسنى التسليم بوجود الدولة إذا لم يتم، و بدقة تحديد أهدافها و حدود صلاحياتها، و هنا مكمن كل الكوارث في بلادنا، كل المؤسسات موجودة و لكنها كلها منحرفة.
إن أهم مؤسسات الدولة العصرية هي المدرسة، هذا المنافس العنيد للعائلة الذي إن كان مجرد ذكره، في العالم المتقدم، كافيا لإستشفاف كل معاني النبل الراقية، المميزة للجنس البشري من تعليم، تربية، تكوين، تأهيل..إلخ
فإنه في العالم المتخلف، مثل بلادنا، مرادف دقيق لمركز برمجة الإنسان بحشوه بقناعات الحكم القائم أو بقناعات الرئيس الآني بل و حتى بقناعات وزير التربية و لعل هذا ما يفسر عدم إستقرار البرامج التعليمية بل و حتى المنظومة التربوية برمتها.
في بلادنا و العالم المتخلف عامة، يصعب التفريق بين الثكنة و المدرسة بسبب مساحة التقاطع الكبيرة بين أدوارهما.
إن التعليم الصحيح و الذي نطالب به هو تسليح المتعلم بعناصر التحليل و النقد، بأوليات المنطق و روح الشك الناقد، بلغته أولا و بلغات الشعوب المتحظرة بعد ذلك، بتاريخه و تاريخ الدول المتقدمة، بجغرافية دولته و جغرافية دول العالم، بالظواهر الطبيعية و قواعد المعاملة الإقتصادية و الإجتماعية و الأخلاقية،  بمفكري العالم و فلاسفته و علمائه...إلخ . كل ذلك يجب أن يلقن في قالب نسبي، يترك للمتعلم إمكانية رفضها و تكذيبها كلها و بالتالي فتح باب البحث على مصراعيه في كل هذه المواضيع العلمية .
إن الإتجاه الغالب حاليا في المدارس الاوروبية الكبرى، ليس تلقين المعارف و العلوم بل تلقين طرق التعلم الذاتي.
تداعيات الاستيلاب الثقافي: انحراف الجامعة
في ذات الوقت الذي إنطلقت فيه حملة جزأرة الجامعة الجزائرية، ألاف أشباه الأساتذة يتدفقون من الشرق الأوسط لتعليم الشعب الجزائري و أي تعليم !
إن العدد المبالغ فيه من هؤلاء النازحين إلى الجامعة الجزائرية كان السبب الرئيسي في إشتعال الصراع الهدام بين المعربين و المفرنسين، الذين كان يجب أن تتظافر جهودهم، كل من جهته، من أجل بناء وطنهم.
في غمرة ذلك الصراع المؤسف، لم يكن من الممكن تفادي لجوء كل طرف إلى خلفياته الإيديولوجية، فكان حصاد الصراع عبئا جديدا على الجامعة الجزائرية، متمثلا في إنتشار حركة البعث العربي بين الجزائريين، تحت تنشيط و رعاية أساتذة الشرق الأوسط الأجانب.
أما على مستوى تسيير الجامعة فالغريب أنه في الوقت الذي كانت فيه كل جامعات العالم تقيم الأستاذ على أساس بحوثه المنشورة، يتم عندنا ذلك على أساس المنصب الذي يحتله و آخر مقياس جزائري في ترقية الأستاذ بجامعاتنا هو عدد الأطروحات التي يشرف عليها ، فكان من نتيجة ذلك تخرج حملة ماجستير لم يروا الجامعة إلا يوم التسجيل.
المهم أن السلطة الإدارية التي يتمتع بها غالبا العناصر المرتشية و الأكثر رداءة، تسببت في هروب زملائهم الأكثر أهلية و الأوفر إنتاجا و النتيجة على المدى الطويل هي، قطعا، تفريغ الجامعة من العناصر النظيفة الأكثر أهلية لقيادتها.
 تداعيات الاستيلاب الثقافي: سرقة و تخريب الأثار الأمازيغية

في تناسق تام مع سياسة الإستئصال الممارسة من طرف النخب المستأصلة، يبقى التاريخ المستهدف الأول من طرفهم، فهو نقطة ضعفهم الوحيدة، لأن في طياته كل الشرور التي تسببوا فيها و على ظهر صفحاته كذلك كل إنجازات شعبنا قبلهم.
إن الحالة التي توجد عليها المعالم الأثرية الأمازيغية في شمال إفريقيا، مراكز الأرشيف و المراجع العلمية بالإضافة إلى بناء المدن بمحاذاة أو فوق المدن الأثرية و غظ الطرف عن التنقيب اللاقانوني و منح رخص البناء على المساحات الأثرية كلها إشارات تنم عن إستثمار سيء في طريق إستئصال الهوية الأمازيغية لشمال إفريقيا.
إن تركيز السلطات على إبراز آثار الفترة العربية و التركية على شاكلة تركيز المستعمر على إبراز و إصلاح الآثار الرومانية، ليس من هدف له إلا تعميم الإنطباع بعقم هذا الشعب على مر تاريخه.
كل هذه الممارسات كانت وراء تحرك حركتنا للمطالبة بإستعادة آثارنا الخاصة التي تبرز هويتنا الأمازيغية.

تداعيات الاستيلاب الثقافي: الاستخفاف بتدريس العلوم الإنسانية
المشكل في مدرستنا اليوم ليس في تعليم العلوم الإنسانية أو عدم تعليمها بل في طريقة تقديمها.
فبينما يقدم بعض العلماء على أنهم كفرة، زنادقة و دراويش يقدم آخرون على أنهم معصومون لا شك في نظرياتهم في حين يتم وبجرة قلم حذف بعض الأسماء اللامعة -عالميا- في هذه العلوم من قائمة العلماء لأسباب إيديولوجية بحتة.
إن كليات الآداب و العلوم الإنسانية تمثل في شمال إفريقيا قمة الإنحراف في المنظومة التربوية.

أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية

أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية: البيروقراطية
إن السلوك التسلطي الذي يمارسه الموظف في بلادنا، ليس إلا تقليدا موغلا في القدم، موروثا عن مختلف الإستعمارات التي تداولت أرضنا، فعلى مر تلك الأزمنة، بدا الموظف سمسارا متاجرا، لا يتورع عن تسويق إخوانه و تخريب كيانهم الثقافي مقابل أجر يتناسب مع شراسة تدخلاته.إذ في الوقت الذي تبدو فيه الإدارة في الدول الحديثة جهازا يقدم خدمات هائلة للمجتمع، تبدو فيه عندنا جدارا هائلا يزيد من متاعب الشعب و يتعمد بأساليب جامدة و قاسية مراقبة المثقف و منع أي تقرب بينه و بين الشعب.
لقد لعبت الإدارة العمومية، تحديدا، الدور الذي من المفروض أنه قضي عليه بالقضاء على الإستعمار.
إن الصورة التي يستحضرها المواطن دوما و المتمثلة في تفاهة المسؤولين و عدم جديتهم، يكرسها يوميا الموظف البسيط الذي بإمكانه، رغم تفاهة منصبه، تعطيل القوانين المختومة بتوقيع رئيس الدولة.
إن الرشوة و التشريفات  و الإنحياز للعائلة أو الجهة، و التي تميز إدارتنا اليوم، تذكر بتقاليد الأعيان العتيقة من الهدايا و الإنحناء و عادات التضامن القبلي، مما يضع الإدارة موضع الخليف المعاصر لسلطة الأعيان البالية الخادمة للمعمر الأجنبي .

أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية: خيانة النخبة الوطنية
ما كان لثقافتنا أن تنحط إلى هذا المستوى، كما لم يكن للإستعمار أن يطول لولا خيانة النخبة الوطنية التي كان من المفروض أن تكون في صف العاملين على إذكاء الوعي القومي و على التمسك بالشخصية الأمازيغية الأصلية لشعبنا، و لكنها فضلا عن تحولها إلى أبواق تردد أفكارا أجنبية، لم تزد إلا في عزلها عن الشعب، دخلت في صراعات عديمة الجدوى ضد بعضها البعض.
هذا الصراع المشبوه هو الذي كان وراء عدم قدرة البلاد على التوفيق بين ثقافتها و مجهودها التقدمي.
فبقدر ما ينم إنقسام النخبة المثقفة بين شرقيين و غربيين، عن إستسلام مصلحي مقيت لقناعات الأنظمة الحاكمة، بقدر ما يلقي الضوء على درجة جهلهم بحقائق وطنهم، بإستثناء طبعا تلك الأقلية التي تستدعي الموضوعية التنويه بمواقفها و التي رغم تعمقها في الثقافات الأجنبية، حافظت على ضميرها الحي و لم يثنها حصار الصمت المطبق عليها، عمدا، من التنبيه و التنديد بالأخطار التي ينطوي عليها الآستيلاب الثقافي.

أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية: خيانة البورجوازية الوطنية
إن تاريخ شمال إفريقيا المتميز بصراع مرير، قاده الفقراء من أبناء الشعب ضد الإستعمارات المختلفة و المتعاونين معهم من الأعيان و الأغنياء، هذا الصرع لم يسمح بتكوين بورجوازية وطنية واعية و عاملة لخلق مجتمع قومي تتكامل فيه القومية السياسية و القومية الإقتصادية الإجتماعية.
ففي الوقت الذي كان على بورجوازيتنا، كمثيلتها في القوميات الأوروبية أن تضحي بجزء من مصالحها الأنانية في سبيل تطوير متعدد الأوجه للأمة التي هي مصدر غناهم، على الأقل ، آثروا بدل ذلك، الإندفاع في السرقة و الإحتيال و التشجيع الخبيث للتقاليد البالية.
إن ظاهرة رفض البورجوازية الوطنية للقيم الديمقراطية و مجاراتها للطبقات الدنيا في القناعات السياسية العتيقة، التي تعمق الجهل، يبررها خوف مستمر من تنبه الشعب إلى المستفيدين الحقيقيين من ثروات الوطن.
إن فكرة "الشرفة" أو "النبلاء" التي غالبا ما تعني الأنتساب للعائلات العربية الراقية  وسيلة جهنمية، إخترعتها البورجوازية المحلية لحماية إمتيازاتها اللاشرعية، بتقليص العلاقة بينهما و بين الشعب "بمنع الزواج من غيرهم مثلا" من جهة و ترفع إجتماعي، يضعها موضع الحكم في الخلافات المحلية، التي يهمها دوامها من جهة أخرى .
أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية: مدينة الضلام
من المفيد التذكير بأن مشكل الإنفصال بين لغة الشعب و اللغة الرسمية و الذي ينطوي على أخطار محدقة بإمكانها زعزعة إستقرار أي أمة، قد عرف أول ظهور له في المدينة المستعمرة قبل الدولة النوميدية.
إن إنسان المدينة في شمال إفريقيا و منذ عشرات القرون، ظل سجين النفسية المستلبة، التي صنعها الإستعمار و التي تتغلب فيها الشراهة الإقتصادية على أغلى و أنبل قيم الأصالة.
إن ألفاظ الإحتقار "جبري"، "جبايلي" المتداولة خاصة في المدن التي أسسها مختلف المستعمرين، تدل على تلذذ مرضي بإحتقار كل ما هو محلي، في نوع من التقمص الوهمي لصور المستعمرين الذين لم يرحلوا إلا بعد أن ورثوا ابن المدينة قيم الغرور و الإستعلاء عن ابن الوطن.
إن ابن المدينة في شمال إفريقيا، يفتقر إلى أبسط القيم الثقافية التي تخوله الإنتساب إلى الوطن، لذلك فإن إعادة الإعتبار للأمازيغية، يمر حتما بإختفاء ابن المدينة، رمز الركوع الذي يذكر غروره بالغزاة الاجانب، و لن يتأتى ذلك إلا بإصلاحات جذرية تمس الأساس الثقافي للمدينة.

أسباب تخلف الثقافة الأمازيغية: القومية العربية حركة هدامة
لنبدأ بإيديولوجية "الزنجية" التي إنتهت إفريقيا و آسيا "بما فيهم العرب" إلى إدانتها و رفضها رغم أنها عبرت في زمن ما عن كل المطالب الشرعية في إعادة تثمين الخصائص الثقافية للإنسان الأسود، ضحية أكثر السلوكات الهمجية قربا من الحيوانية.
إن الزنجية رغم طابعها العنصري، الذي يرد بالمثل على الانسان الأبيض، خطة تشريف لقيم الإنسان الأسود تماما مثل العروبة التي تمثل آيات التجميد و التنويه بفضائل العرب و مآثرهم، فإذا كانت الأولى "الزنجية" رد فعل قاس على إستعباد الوحش الأبيض للإنسان الأسود، فإن الثانية ممارسة صريحة للإستعمار على شمال إفريقيا لأنها فعل و ليست رد فعل، فما سبب رفض الأولى و تشجيع الثانية عندنا ؟
إن حركة القومية العربية إختراع غير عربي بل و ترفضه أغلبية الشعوب العربية وهو إنتاج إستعماري ولد في أوروبا على إثر ظهور نظريات "التفاوت الثقافي" الممهدة لنظريات "التفاوت العرقي" الهادفة، آنذاك، إلى تبرير الإستعمار.
إن الطرح الرامي إلى إلحاق شمال إفريقيا ثقافيا و لغويا بالشرق الأوسط و بتجاهله الكم الهائل من الإختلافات الثقافية بينهما، لا يعدو أن يكون إلا دعوى إلى نوع من الزواج الجماعي بالمراسلة.
فكما أدى التهجين الثقافي للعراق و سوريا و مصر إلى الحديث عن درجات العروبة "عرب عاربة و عرب مستعربة" أي عرب أصيلة من الدرجة الأولى و أخرى هجينة من الدرجة الثانية فالتعريب الكلي لشمال إفريقيا سوف يؤدي حتما إلى ترتيبنا في أدنى درجات العروبة.
و لعل أخطر الأسلحة المستحدثة لدى منظري القومية العربية، هو إستعمال الإسلام لتبرير أطروحاتهم الشمولية بل وصل الأمر إلى تحالف علني بين التيارات الإسلاموية و القومية العربية فأضحى العلماء المسلمون يحضرون و يشاركون سنويا في المؤتمر القومي العربي.

الإصلاح الثقافي
الإصلاح الثقافي: الإصلاح الثقافي، إصلاح للمجتمع
من أجل إصلاح عام، لا مفر من تمكين الأمازيغي من توظيف إرثه الثقافي في خدمة وطنه لسبب بسيط و هو أن للثقافة علاقة تآثر (تأثير و تأثر) بكل منظومات المجتمع الأخرى (الإقتصادية، السياسية ... إلخ) .
إن إعادة الإعتبار للثقافة الأمازيغية ضريبة لا غنى عنها من أجل إصلاح عام في شمال إفريقيا .
إن التخلص من أثقال المقاومة التي تجر بلداننا نحو التخلف يمر حتما بمراجعة عميقة وربما أليمة كذلك لكل المؤسسات الحالية.

الإصلاح الثقافي: الأدب الشفوي معطيات تشخيصية (Données diagnostiques)
إن الإحساس بالآمان الذي يوفره الأدب الشفوي (لأن الكتابة أدلة إدانة، فأقل ما يمكن من الكتابة يساوي الأمن في الأنظمة الشرسة) بالإضافة إلى سيولته (الأدب الشفوي) سمحا له بنمو كبير، هذا النمو، رغم فوضويته، يعكس بدقة الحالة النفسية التي تطبع عمق المجتمع.
إن أهمية الأدب الشفوي تأتي من الإشارات التي يحملها، في آن واحد، عن أمراض المجتمع التي تسببها اللاتوازنات الفكرية و النفسية و كذلك عن الصفاء و الفعالية السابقين.
إن القصة، الرواية، الأسطورة، الحولية، القصيدة، الملحمة، النغمة الموسيقية، الرقصة، المثل الشعبي ... إلخ مذكرات أصيلة و فعالة تكفي لتحرير تقرير مفصل، لا يمكن الشك في موضوعيته، عن الأمراض التي تقرض المجتمع من داخله و التي تبدو مستعصية للعيان.
بحولية واقعية Complainte  واحدة، يمكن لإختصاصي بكل سهولة أن يستحضر ذهنيا و بدقة مختلف الأحداث و المتاهات (المادية و النفسية) التي عاشها كاتبها و شعبه مهما غارت في القدم.

الإصلاح الثقافي: القلق الإجتماعي أولى مراحل الإصلاح                             
من الخطأ الإعتقاد بأن القلق الإجتماعي هو فقط، مؤشر لحالة مرضية بل هو كذلك وسيلة تعبير، تعكس رفضا إجتماعيا لواقع معين بواسطة هيجان بعض العواطف الحادة، فهو إذن أنين إجتماعي يفيد طلبا ملحا للتغيير.
إن التوتر الإجتماعي ليس فقط مصدرا لتوليد الطاقة التي تمكن المجتمع من سحق عزوم العطالة moments d’inertie التي تعيق تقدمه و تغيره بل هو كذلك مؤشر على نضج إجتماعي، باعتبار صبه في إتجاه الحركية الرافضة للركود.
هذه الإعتبارت هي مصدر الفكرة القائلة بإستحالة تغير المجتمعات التي لا تسجل فيها أعراض القلق الإجتماعي.
إن التحذير (إجتماعيا هو مجرد وسيلة لنشر القلق) يجب أن يكون من المهام الأساسية لكل الحركات المشرئبة للتغيير و لكن طبعا، التحذير الواعي المتحكم فيه و المراقب من طرف عناصر عليمة وواعية  بمصلحة الوطن و سلامة أفراده و كذلك بالحدود الفاصلة بين التحذير الذي يعني النصح و التنبيه و ذلك الذي يعني التهديد و الوعيد.

الإصلاح الثقافي: الإقتباس ضرورة خطيرة
بجانب الإبداع، يمكن للإقتباس أن يلعب دورا مهما في الإصلاح الثقافي إلا أنه من المفيد التذكير بأنه، مع غياب المراقبة، يمكن للإقتباس أن يتحول إلى تقليد أعمى و منه إلى تبعية أخرى.
و حتى مع إستبعاد هذا الخطر، فإن نجاح الإقتباس رهين تحمل المجتمع لمشقة التأقلم و المجتمعات التي تعيش صراعا ثقافيا تمتاز عادة بضعف القدرة عليه (التأقلم).
إن الإقتباس في كل المجتمعات المتوترة ثقافيا يثير دوما عواطف فزع، ناتجة عن عقد التأنيب التي تكبل أفرادها و هذه العواطف من شأنها تطعيم القوى الرجعية الرافضة للتغيير و التي يجب قطعا العمل على القضاء عليها.
من هنا تبدو ضرورة الحوار الواسع مع الفرد الإجتماعي قصد إقناعه بأهمية الإقتباس الأجنبي كرافد للثقافة المحلية.
                                          
الإصلاح الثقافي: أهمية التكفل الشعبي بالإصلاح الثقافي
إن ضعف التجاوب الشعبي مع النشاط الثقافي الرسمي، يجد تفسيره عند منظري التسيير الحكومي للثقافة في إنغلاقية المجتمع على أفكاره المهجورة و المتجاوزة.
طبعا ليس من شأن هذه التفاسير المهينة أن تنبع من تحليل علمي إجتماعي موضوعي لسبب بسيط هو أن للثقافة وسائل ذاتية للدفاع عن نفسها، فمقاطعة الشعب لنشاط ثقافي معين، لا يمكن أن يجد تفسيره إلا في عجز هذه الثقافة عن النفاذ إلى عمقه أو بتعبير آخر هذه الثقافة أجنبية.
و لعل ممارسة العمل الثقافي علمتنا أن نجاح أي نشاط ثقافي رهين المشاركة الشعبية و التي تتعلق بدورها بقوة عواطف الإثارة الناتجة عن دغدغة الرموز المبثوثة عبر هذا النشاط للمكنون الثقافي للمجتمع.
إن الإستقبال البارد الذي يواجه الكثير من النشاطات الثقافية في شمال إفريقيا لا يعبر إلا عن رفض إجتماعي لها و عليه فإن أي إصلاح ثقافي مآله الفشل الذريع إذا تجاهل أصحابه موضوعه و هو الشعب، فتأشيرة المجتمع و قبوله لأي إصلاح هو الضامن الوحيد لنجاحه المتعلق بحجم المشاركة الشعبية في تحقيقه.
إنه لمن المضحك أن تتمكن زردة محلية حول مائدة كسكس بسيطة من استقطاب جماهير تفوق عددا المشاركين في مهرجان وطني للشعر رغم الوسائل الإعلامية، المادية و المالية المستنفرة.
الإصلاح الثقافي: أهمية الوعي الشعبي بمقتضيات الإصلاح
بالإضافة إلى ما قيل، فإن إحساسا كاملا بالراحة يجب أن يتغمد المجتمع قبل مباشرته لأي إصلاح ثقافي و لن يتأتى ذلك إلا بتقدير دقيق من طرفه لكل الأخطار المحتملة.
إن ما يميز المجتمع عن الفرد هو وفاءه بكل إلتزاماته Engagements  و لكنه لا يتعهد إلا إذا إستعاب بوعي كل ظروف العملية الإصلاحية وإقتنع بوجهتها التي لا يجب أن تبتعد كثيرا عن قيمه الأساسية.
هذه الصرامة التي ينفرد بها المجتمع تجد تفسيرها في كون كل عملية إصلاح مساوية من الناحية النفسية، لإدانة مؤلمة لكل المؤسسات الإجتماعية القائمة و المجتمع لا يتقبل الإدانة إلا مقابل منحى واضح و دقيق لعملية التغيير.
لهذا وجب أن تسبق عملية الإصلاح مرحلة إعداد نفسي لا يمكن الإستغناء عنها، يكون من بين أهدافها الأساسية :
* إقناع المجتمع (كل المجتمع) أن الإصلاح لن يرهن و لن يجازف بقيمه الاساسية بل لن يؤدي إلا إلى توظيف واع لها، يمكنه لاحقا من تطهيرها بالتخلص من أقلها ملائمة للعصر.
* إقناعه بأن منتهى الإصلاح ليس الإستغناء عن إرث الأسلاف بل فقط، عيش هذه القيم بطريقة أخرى، أكثر حداثة.
فكل إصلاح ثقافي إذن فاشل بالضرورة إلا إذا قرره الشعب و نفذه بنفسه على نفسه.

الإصلاح الثقافي: الإصلاح يجب أن يكون مفيدا ماديا
صحيح أن العلاقة التي تربط الإنسان بثقافته علاقة وجود (لأن المنسلخ ثقافيا غير موجود "فعلا") و لكن قبل أن يعيش الإنسان قيمه الثقافية يجب أن يعيش أيامه أي أن يأكل، يشرب، يسكن و ينعم بالأمن.
إن الإصلاح الثقافي، في الحقيقة، عملية تكييف مؤلمة و معقدة جدا لا يمكن التعبئة لها إلا مقابل حجج كثيرة و قوية من بينها الحجة الإقتصادية.
يجب إذن أن يكون المجتمع على علم بأن الإرث الثقافي رأس مال حقيقي بإمكانه أن يكون مصدرا باهرا للثروة الإقتصادية، فبالإضافة إلى الأموال الطائلة التي يوفرها لنا الإستغناء عن إستيراد المنتوج الثقافي الأجنبي، بإمكاننا تحقيق مداخيل هائلة بمجرد إيقاظ العبقرية الذاتية لثقافتنا .
إن شراسة الحملة المشبوهة ضد أغنية "الراي" لا تغذيها في الحقيقة الإعتبارات الأخلاقية المعلنة بل حجم الأموال التي إستعادتها أغنية "الراي" على حساب الأغنية الشرقية في سوقها التقليدي، من المؤسف أن بلاهة النخبة الجزائرية في الميدان الإقتصادي لا تسمح له بالتنبه إلى أن "الراي" أكثر أخلاقية من الأغنية الشرقية.
ثم إن إخراجا تلفزيونيا بسيطا لقصصنا و أساطيرنا يكفي لإسترجاع ملايير تمتصها مؤسسات أجنبية، مقابل مسلسلات أقل ما يمكن أن يقال عنها أنها هدامة و نفس الشيء فيما يتعلق بفن العمارة التي بإمكان إخضاعها للطراز المحلي تجنيبنا أموالا طائلة في إستيراد مواد البناء.
في الأخير و بإختصار شديد، إن الثقافة الأصيلة (أفكار، مؤسسات، نمط عقلي ...) لمجتمع ما ليست في الحقيقة إلا وسيلة ذكية، صقلتها التجربة التاريخية، تمكن المجتمع من ضمان إحتياجاته العضوية، الروحية و العقلية بأقل  تكلفة ممكنة بالنسبة للمحيط الذي يعيش فيه.
فرحاوي العيد