''وحدة الفكر والعمل''، هذا الشعار الذي فُرض على الجزائريين خلال إحدى فترات الحزب الواحد نراه اليوم، وللأسف، مجسدا في الحياة السياسية الوطنية، إن كانت هناك حياة سياسية فعلا. قوافل المطبّلين والمزمّرين للعهدة الثالثة لفخامة الرئيس يتبنون لغة واحدة موحدة، حتى في أساليب الكلام وصياغة البيانات. ليس لهم لا النية ولا القدرة، على ابتكار أسلوب جديد من شأنه أن يلقى الاستحسان لدى الناس، المهم أن يصوّروا، لمن تحتمل أذناه الإصغاء إليهم، أن خيار التراجع عن نص دستوري أقرته الإرادة الشعبية قبل 11 سنة، وتمديد عهدة الرئيس الحالي هو إرادة جماعة للجزائريين لا تقبل النقاش! وكأنه ليس هناك رأي مخالف، ولا حتى رأي يدعو لفتح نقاش موسع مع الناس قبل أن يتم ترسيم ما قرره المقرّرون! هذا الوضع، وإن كان مشابها لزمن وحدة الفكر والعمل، فهو أتعس بكثير من تلك الأيام، لأنه رغم عدم وجود عناوين تناضل المعارضة باسمها آنذاك، لكن كانت هناك تجاذبات داخل الحزب الواحد بين اليسار واليمين، والمعرّبين والمفرنسين، وكان هناك من يقول ''لا'' بطريقته الخاصة، أما اليوم، فقد وصلنا، بعد تضحيات جسام منذ أكتوبر 88، إلى وضع أتعس من أيام الحزب الواحد! آخر المنخرطين في حملة العهدة الثالثة ما يسمى بكتلة الأحرار بالمجلس الشعبي الوطني، وإن كانوا أحرارا في قراراتهم، لكن نتساءل: هل هم أحرار فعلا، وماذا تعني لديهم هذه الكلمة؟ وهذا ما يجعلنا نقول إنه عندما نتحدث عن حالة الجزائر، والبلدان العربية أيضا، لا يجب أن نقابل مفاهيم العلوم السياسية وأدبيات ومفاهيم الممارسة السياسية في العالم بالواقع الجزائري. فالسياسة في الجزائر تقلصت إلى مجرد بوابة تمكن أفرادا في أسفل النظام كي يقتربوا من مائدة الريع الكبرى. وبالمقابل يمدون المتحكمين في رأس النظام بالسند الذي يحتاجون إليه متى كان ذلك ضروريا. أما الأفكار والمواقف والبرامج والتفاوض فلا مكان لها هنا. كان من الأجدى للمنخرطين في حملة العهدة ''الدائمة'' المطالبة بفتح نقاش موسع ومعمق مع الشعب الذي يتكلمون باسمه، احتراما له على الأقل، لكن لمن تقرأ زابورك يا داوود! وإذا كان هذا الوضع يعتبر مريحا بالنسبة للمتحكمين في رأس النظام، فهو مقلق ومخيف للمجتمع ككل، فعندما نقضي على النقد والمعارضة وقوى الاقتراح، ونحول دون قيام معارضة حقيقية ونقولب المجتمع المدني والأحزاب والمثقفين جميعا في قالب المطبّلين والمدّاحين لكل ما يصدر من فوق، فهذا يعني موت السلطة المضادة التي تنبه النظام لأخطائه. وإذا لم يجد النظام من ينبّهه لأخطائه فهذا يعني وقوعه في تراكمات تجعله غير قادر على تسيير أزمات البلاد المعقدة أو إيجاد حل لها. هذه الوضعية ليست حتمية بطبيعة الحال، لكن الخروج منها يكون بنبذ كل المدّاحين والشيّاتين وتشجيع أصحاب الرأي المؤسس، كما هي النظم الديمقراطية الكبرى، وهنا لن نكتشف البارود من جديد، إن وُجدت إرادة لذلك.
1 commentaire:
''وحدة الفكر والعمل''، هذا الشعار الذي فُرض على الجزائريين خلال إحدى فترات الحزب الواحد نراه اليوم، وللأسف، مجسدا في الحياة السياسية الوطنية، إن كانت هناك حياة سياسية فعلا.
قوافل المطبّلين والمزمّرين للعهدة الثالثة لفخامة الرئيس يتبنون لغة واحدة موحدة، حتى في أساليب الكلام وصياغة البيانات. ليس لهم لا النية ولا القدرة، على ابتكار أسلوب جديد من شأنه أن يلقى الاستحسان لدى الناس، المهم أن يصوّروا، لمن تحتمل أذناه الإصغاء إليهم، أن خيار التراجع عن نص دستوري أقرته الإرادة الشعبية قبل 11 سنة، وتمديد عهدة الرئيس الحالي هو إرادة جماعة للجزائريين لا تقبل النقاش! وكأنه ليس هناك رأي مخالف، ولا حتى رأي يدعو لفتح نقاش موسع مع الناس قبل أن يتم ترسيم ما قرره المقرّرون!
هذا الوضع، وإن كان مشابها لزمن وحدة الفكر والعمل، فهو أتعس بكثير من تلك الأيام، لأنه رغم عدم وجود عناوين تناضل المعارضة باسمها آنذاك، لكن كانت هناك تجاذبات داخل الحزب الواحد بين اليسار واليمين، والمعرّبين والمفرنسين، وكان هناك من يقول ''لا'' بطريقته الخاصة، أما اليوم، فقد وصلنا، بعد تضحيات جسام منذ أكتوبر 88، إلى وضع أتعس من أيام الحزب الواحد!
آخر المنخرطين في حملة العهدة الثالثة ما يسمى بكتلة الأحرار بالمجلس الشعبي الوطني، وإن كانوا أحرارا في قراراتهم، لكن نتساءل: هل هم أحرار فعلا، وماذا تعني لديهم هذه الكلمة؟
وهذا ما يجعلنا نقول إنه عندما نتحدث عن حالة الجزائر، والبلدان العربية أيضا، لا يجب أن نقابل مفاهيم العلوم السياسية وأدبيات ومفاهيم الممارسة السياسية في العالم بالواقع الجزائري. فالسياسة في الجزائر تقلصت إلى مجرد بوابة تمكن أفرادا في أسفل النظام كي يقتربوا من مائدة الريع الكبرى. وبالمقابل يمدون المتحكمين في رأس النظام بالسند الذي يحتاجون إليه متى كان ذلك ضروريا. أما الأفكار والمواقف والبرامج والتفاوض فلا مكان لها هنا.
كان من الأجدى للمنخرطين في حملة العهدة ''الدائمة'' المطالبة بفتح نقاش موسع ومعمق مع الشعب الذي يتكلمون باسمه، احتراما له على الأقل، لكن لمن تقرأ زابورك يا داوود!
وإذا كان هذا الوضع يعتبر مريحا بالنسبة للمتحكمين في رأس النظام، فهو مقلق ومخيف للمجتمع ككل، فعندما نقضي على النقد والمعارضة وقوى الاقتراح، ونحول دون قيام معارضة حقيقية ونقولب المجتمع المدني والأحزاب والمثقفين جميعا في قالب المطبّلين والمدّاحين لكل ما يصدر من فوق، فهذا يعني موت السلطة المضادة التي تنبه النظام لأخطائه. وإذا لم يجد النظام من ينبّهه لأخطائه فهذا يعني وقوعه في تراكمات تجعله غير قادر على تسيير أزمات البلاد المعقدة أو إيجاد حل لها.
هذه الوضعية ليست حتمية بطبيعة الحال، لكن الخروج منها يكون بنبذ كل المدّاحين والشيّاتين وتشجيع أصحاب الرأي المؤسس، كما هي النظم الديمقراطية الكبرى، وهنا لن نكتشف البارود من جديد، إن وُجدت إرادة لذلك.
Enregistrer un commentaire